فصل: فَصْل في فضائل حسن الخلق ومعايير الإخوة والصحبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فَصْل في فضائل حسن الخلق ومعايير الإخوة والصحبة:

اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللهَ وَإِيَّاكَ وَجَمِيع الْمُسْلِمِين لما يحبه ويرضاه، أن الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق، فحسن الخلق يوجب التحاب، والتآلف والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض، والتحاسد، والتدابر.
ومهما كَانَ المثمر محمودًا، كَانَتْ الثمرة محمودة، وحسن الخلق لا تخفى فِي الدين فضيلته، وَقَالَ الله تَعَالَى لنبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثَر مَا يدخل الْجَنَّة تقوىً وحسن الخلق». وَقَالَ أسامة بن شريك قلنا: يَا رَسُول اللهِ مَا خَيْر مَا أعطى الإِنْسَان؟ فَقَالَ: «حسن الخلق». وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «بعثت لأتمم مكارم الأَخْلاق».
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ خُلُقٌ حَسَنٌ». وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ أَلِفٌ مَأْلُوفٌ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ». وَلأَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ السَّلَمِيّ فِي آدَابِ الصُّحْبَةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِخْوَان صَالِحِينَ.
وَلِلإِخَاءِ أربع خِصَال: الأُولَى: الْعَقْلُ الْمَوْفُورُ الْهَادِي إِلَى مَرَاشِدِ الأُمُورِ بِإِذْنِ اللهِ فَإِنَّ الْحَمَقَ لا تَثَبِّتْ مَعَهُ مَوَدَّةٌ وَلا تَدُومُ مَعَهُ صُحْبَةٌ، لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِ حُقُوقِ الإِخَاءِ.
وَالْخُصْلَةِ الثَّانِيَة: الدّيِنِ الْوَاقِفِ بَصَاحِبِهِ عَلَى الْخَيْرَاتِ، فَإِنَّ تَارِكَ الدِّينِ عَدُوٌ لِنَفْسِهِ يُلْقِيهَا فِي الْمَهَالِكِ، فَكَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ نَفْعٌ وَمَوَدَّةٌ لِغَيْرِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: اصْطَحِبْ مِنَ الإِخْوَان صَاحِبَ الدِّينِ، وَالْحَسَبِ، وَالْرَأْيِ وَالأَدَبِ، فَإِنَّهُ عَوْنٌ لَكَ عِنْدَ حَاجَتِكَ، لأَنَّ دِينَهُ يُحَتِّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَيَدٌ عِنْدَ نَائِبَتِكَ، وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ رَأْيَهُ، وَحَسَبَهُ، وَأُنْسٌ عِنْدَ وَحْشَتِكَ لأَدَبِهِ.
وَمِنْ كَلامِ بَعْضِ الْعَارِفِينَ: الأَخُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنْ نَفْسِكَ، لأَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وَالأَخُ الصَّالِحُ لا يَأْمُرُ إِلا بِالْخَيْرِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ مَحْمُودُ الأَخْلاقِ، مَرْضِيّ الأَفْعَالِ، مُؤْثِرًا لِلْخَيْرِ، آمِرًا بِهِ لِخَلِيلِهِ، كَارِهًا لِلشَّرِّ دِيَانِة، وَخُلُقًا، نَاهِيًا عَنْ الشَّرِّ مُرُوءَة وَحَسَبًا، فَإِنَّ مَوَدَّةَ الشَّرِّيرِ تُكْسِبُ الأَعْدَاءَ، وَتُفْسِدُ الأَخْلاقِ، وَلا خَيْرَ فِي مَوَدَّةٍ تَجْلِبُ عَدَاوَة، وَتُورِثْ مَذَّمَةً وَمَلامَة.
وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَيْنِ لِلْجَلَيْسَ الصَّالِحُ، وَالْجَلَيْسَ السُّوءِ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِثْلُ الْجَلَيْسَ الصَّالِحِ، وَالْجَلَيْسَ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكَيرِ، فَحَامِل الْمِسْك إِمَّا أَنْ يَحْذِيكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعُ مِنْهُ، وَأَمَّا أَنْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخٌ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدْ مِنْهُ رِيحةً خَبِيثَةً». مُتَفَقٌ عَلَيْهِ.
هَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنْ الْجَلَيْسَ الصَّالِحَ جَمِيعَ أَحْوَالِ صِديقه معه خَيْر وبركة ونفع ومغنم مثل حامل المسك الَّذِي تنتفع بما معه منه، إما بهبة، أَوْ ببيع أَوْ أقل شَيْء مدة الجلوس معه، وَأَنْتَ قَرِيرِ النَّفْسِ، مُنْشَرِح الصَّدْرِ، بِرَائِحَةِ المسك وَهَذَا تَقْرِيبٌ، وَتَشْبِيهٌ لَهُ بِذَلِكَ وَإِلا فَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْعَبْدُ مِنْ جَلِيسِهِ الصَّالِحُ أَبْلَغُ وَأَفْضَلُ مِنْ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ، فَإِنَّهِ إِمَّا أَنْ يُعَلِّمُكَ أُمُورًا تَنْفَعُكَ فِي دِينِكَ، وَإِمَّا أَنْ يُعَلِّمُكَ أُمُورًا تَنْفَعُكَ فِي دُنْيَاكَ، أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يَهْدِي لَكَ نَصِيحَةً تَنْفَعُكَ مُدَّةَ حَيَاتِكَ، وَبَعْدَ وَفَاتِكَ أَوْ يَنْهَاكَ عَمَّا فِيهِ مَضَرَّة لَكَ.
عَاشِرْ أَخَا الدِّينِ كَيْ تَحْظَى بِصُحْبَتِهِ ** فالطَّبْعُ مُكْتَسَبٌ مِنْ كُلِّ مَصْحُوبِ

كالرِّيحِ آخِذَةٌ مِمَّا تَمُرُّ بِهِ ** نَتْنًا مِن النَّتْنِ أَوْ طِيبًا مِن الطَّيْب

فأنت معه دائمًا في منفعة، وربحك مضمون بإذن الله فتجده دائمًا يرى أنك مقصر في طاعة الله فتزداد همتك في الطاعة ويجتهد في الزيادة منها وتراه يبصرك بعيوبك ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله.
فالإنسان مجبول على التلقيد والاقتداء بصاحبه، وجليسه والطباع والأرواح جنود مجندة يقود بعضها بعضًا إلى الخير أو إلى الشر وأقل نفع يحصل من الجليس الصالح انكفاف الإنسان بسببه عن السيئات، والمساوي والمعاصي، رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعًا عن الشر والله الموفق.
ومن ما فيستفاد من الجليس الصالح أنه يحمي عرضك في مغيبك، وفي ضرتك يدافع ويذب عنك ومن ذلك أنك تنتفع بدعائه لك حيًّا وميِّتًا.
وأما مصاحبة الأشرار فهي السم الناقع، والبلاء الواقع، فتجدهم يشجعون على فعل المعاصي، والمنكرات، ويرغبون فيها ويفتحون لمن خالطهم وجالسهم أبواب الشرور ويزينون لمجالسيهم أنواع المعاصي.
وَلا تَجْلِسْ إلى أَهْلِ الدَّنَايَا ** فَإِنَّ خَلائِقَ السُّفَهَاءِ تُعْدِي

ويحثونهم على أذية الخلق، ويذكرونهم بأمور الفساد التي لم تدر في خلدهم، وإن همَّ بتوبة وانزجار عن المعاصي حسنوا عنده تأجيل ذَلِكَ، وطول الأمل، وأن ما أَنْتَ فيه أَهْوَن من غيره، وفي إمكانك التوبة، والإنابة إذا كبرت في السن.
وما يقلدهم به ويكسبه من طباعهم أكثر من ما ذكرنا، وَكَمْ قادوا أصحابهم إلى المهالك. وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.
وأَهَوَى مِنَ الشُّبَّانِ كُلَّ مُجِيبٍ ** عن اللهوِ مِقْدَامًا إلى كُلِّ طَاعَةِ

أَخُو عِفَّةٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ ** وَذُر رَغْبَةٍ فِيمَا يَقُودُ لجنّةِ

تَمَسَّكْ بِهِ إِنْ تَلْقَهُ يَا أَخَا التُّقَى ** تَمَسُكَ ذِي بُخْلٍ بِتِبْرٍ وَفِضَّةِ

أُحِبُّ مِن الإِخْوَانِ كُلَّ مُواتِي ** وَكلّ غضيض الطَّرْفِ عن هَفَوَاتِي

يُوَافِقُنِ فِيمَا بِهِ اللهُ رَاضِيًا ** وَيَحْفَظُنِي حَيًّا وَبَعْدَ مَمَاتِي

آخر:
وَلا خَيرَ في الدُّنيا إِذَا لَم تَزَرْ بِهَا ** حَبِيبًا وَلَمْ يَطرَبْ إِلَيكَ حَبِيبُ

اللَّهُمَّ امنن عَلَيْنَا يا مولانَا بتوبة تمحو بها عنا كُلّ ذنب وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فَصْلٌ:
وَكَمْ حث صلى الله عليه وسلم على أَهْل الدين فعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر المرء من يخالل». قَالَ الْعُلَمَاءُ: معناه لا تخالل إِلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه، ومذهبه، ولا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك، فتخالل من لَيْسَ مرضيًا في دنيه ومذهبه.
وَقَالَ سفيان بن عيينة: وقَدْ روي في تفسير هَذَا الْحَدِيث انظروا إلى فرعون معه هامان وانظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم شر منه قُلْتُ: وانظروا إلى يزيد بن معاوية معه مسلم بن عقبة المري شر منه، انظروا إلى سُلَيْمَانٌ بن عبد الملك صحبه رجَاءَ بن حيوة الكندي أحد الأعلام الأفاضل فقومه وسدده.
وَعَنْ أَبِي سعيد الخدري عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصَاحِب إِلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إِلا تقيٌّ». قَالَ الْعُلَمَاءُ: معنى الْحَدِيث لا تدعوا إلى مؤواكلتك إِلا الأتقياء، لأن المؤاكلة تدعو إلى الأفلة، وتوجبها، وتجمَعَ بين القُلُوب، يَقُولُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «فتوخ أن يكون خلطاؤك وذوو الاختصاص بك أَهْل التقوى».
وعن عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تلزموا مجالس العشائر فَإِنَّهَا تميت الْقَلْب، ولا يبالي الرجل بما تكلم ناديهم، وتفرقوا في العشائر فإنه أحرى أن تحفظوا في المقالة».
وَقَالَ بَعْضهمْ: ينبغي للمُؤْمِنِ أن يجانب طلاب الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يدلونه على طلبها ومنعها وَذَلِكَ يبعده عن نجاته ويقضيه عَنْهَا ويحرض ويجتهد في عشرة أَهْل الْخَيْر وطلاب الآخِرَة:
اصْحَبْ مِن الإِخْوَانِ مَنْ أَخْلَصُوا ** للهِ فِي أَعْمَالِهِمْ واتَّقَوْا

وَمَنْ إِذَا تَكَاسَلتَّ فِي طَاعَةٍ ** للهِ لامُوكَ ولا قَصَّروْا

آخر:
لَجَلْسَتِي مَعْ فَقِيهٍ مُخْلِصٍ وَرَعٍ ** أَنْفِي بِهَا الْجَهْلِ أَوْ أَزْدَدْ بِهَا أَدَبَا

أَشْهَى إِلَيَ مِنَ الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ** وَمِلْئِهَا فِضَّةً أَوْ مِلْئهَا ذَهَبًا

آخر:
وَقارِن إِذا قارَنْتَ حُرًّا أَخًا تُقَى ** فَإِنَّ الْفَتَى يُزْرِي بِه قُرَنَاؤُهُ

آخر:
وَمَنْ يَكُنِ الْغُرَابَ لَهُ دَلِيلاً ** يَمُرُّ بِهِ عَلى جِيفِ الْكِلابِ

كُلُّ مَنْ لا يَؤاخِيكَ فِي الله ** فَلا تَرْجُ أَنْ يَدُومَ إِخَاؤُهُ

خَيْرُ خِلٍ أَفْدَتْهُ ذُو إِخَاءٍ ** كَانَ للهِ وُدُهُ وَصَفَاؤهُ

وَقَالَ آخر:
عَلَيْكَ بصحبة أَهْل الْخَيْر ممن تسلم منه في ظاهرك وتعينك رؤيته على الْخَيْر ويذكرك الله.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: قَدْ حَذَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من مُجَالَسَة من لا يستفيد المرء به فضيلة، ولا يكتسب بصحبته علمًا وأدبًا.
وعن وديعة الأنصاري قال: سمعت عُمَر بن الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ وَهُوَ يعظ رجلاً: لا تتكلم فيما لا يعنيك، واعتزل عَدُوّكَ، واحْذَرْ صَدِيقكَ إِلا الأمين ولا أمين إِلا من يخشى الله ويطيعه، ولا تمش مَعَ الفاجر، فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك ولا تشاور في أمرك إِلا الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللهَ سُبْحَانَهُ.
ووعظ بَعْضهمْ ابنه فَقَالَ له: إياك وإِخْوَان السُّوء، فَإِنَّهُمْ يخونون من رافقهم، ويفسدون من صادقهم، وقربهم أعدى من الجرب، ورفضهم والبعد عنهم من استكمال الأَدَب والدين والمرء يعرف بقرينه، قال: والإِخْوَان اثنان فمحافظ عَلَيْكَ عَنْدَ البَلاء، وصديق لك في الرخاء، فاحفظ صديق البلية، وتجنب صديق العافية فَإِنَّهُمْ أعدى الأعداء وفي هَذَا المعنى يَقُولُ الشاعر:
أَرَى النَّاسَ إِخْوَانَ الرَّخَاءِ وَإِنَّمَا ** أَخُوكَ الَّذِي آخَاكَ عِنْدَ الشَّدَائد

وَكُل خليل بالهوْينا ملاطِفٌ ** وَلكنَّمَا الإِخْوَانِ عِنْدَ الشَّدائد

آخر:
إِذَا حَقَّقْتَ وِدًّا فِي صَدِيق ** فَزُرْهُ ولا تََخَفْ مِنْهُ مِلالا

وَكُنْ كالشَّمْسِ تَطْلعُ كُلَّ يَوْمٍ ** وَلا تَكُ فِي زِيَارَتِهِ هِلالا

آخر:
فَما أَكثَرَ الإِخْوَانَ حِينَ تَعْدُّهُمْ ** وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَاتِ قَليلُ

آخر:
وَكُلُّ مُقِلّ حِينَ يَغْدُو لِحَاجَةٍ ** إلى كُلّ يَلْقَى مِن النَّاسِ مُذْنِبُ

وكان بَنُوا عَمِّي يَقُولُونَ مَرْحَبَا ** فَلمَّا رَأَوْنِي مُعْدِمًا مَاتَ مَرْحَبُ

النَّاسُ أَعْوَانُ مَنْ دَامَتْ لَهُ نِعَمٌ ** وَالْوَيْلُ لِلْمَرَءِ إِنْ زَلَّتْ بِهِ قَدَمُ

لمَّا رَأَيْتُ أَخِلائِي وَخَالِصَتِي ** وَالْكُلُّ مُنْقَبضٌ عَنِّي وَمُحْتَشِمُ

أَبْدَوْا صُدُودًا وَإِعْرَاضًا فَقُلْتُ لَهُمْ ** أَذنَبْتُ ذَنْبًا فَقَالُوا ذَنْبُكَ الْعَدَمُ

آخر:
سَمِعْنَا بالصَّدِيق ولا نَراَهُ ** عَلى التَّحْقِيقِ يُوجَدُ فِي الأَنَام

آخر:
فَرِيدٌ مِن الخلانِ فِي كُلِّ بلدةٍ ** إِذَا عَظُمَ المطلوبُ قَلَّ الْمُسَاعِدُ

آخر:
وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ إِلا أَقَلَهُمْ ** خِفَافَ الْعُهُودِ يُكْثِرونَ التَّنَقُّلا

بَنِي أُمِّ ذِي الْمَالِ الْكَثِير يَرَوْنَهُ ** وَإِنْ كَانَ عَبْدًا سَيِّدَ الْقَوْمِ جَحْفَلا

وَهُمْ لِمُقلِّ الْمَالِ أَوْلادُ عَلَّةٍ ** وَإِنْ كَانَ مَحْضًا فِي الْعُمُومَةِ مُخْولا

آخر:
وَلَيسَ أَخُوكَ الدَّائِمُ الْعَهْدِ بِالَّذِي ** يَسُوءُكَ إِنْ وَليَّ وَيُرْضِيكَ مُقْبِلا

وَلَكِنَّه النَّائِي إِذَا كُنْتَ آمِنًا ** وَصَاحِبُكَ الأَدْنَى إِذَا الأَمْرُ أَعْضَّلا

آخر:
دَعْوَى الإِخَاءِ مَعَ الرَّخَاءِ كَثِيرَةٌ ** وَمَعَ الشَّدَائدِ تُعْرَفُ الإِخْوَانُ

وعن شريك بن عَبْد اللهِ كَانَ يُقَالُ: لا تسافر مَعَ جبان فإنه يفر من أبيه وأمه، ولا تسافر مَعَ أحمق، فإنه يخذَلِكَ أحوج ما تَكُون إليه، ولا تسافر مَعَ فاسق فإنه يبيعك بأكلة وشربة.
وَعَنْ أَبِي مُوَسى الأشعري قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم عَلَيْهِ السَّلام من قبضة قبضها مِنْ جَمِيعِ أجزاء الأَرْض فَجَاءَ بنوا آدم عَلَى قَدْرِ الأَرْض، مِنْهُمْ الأحمر، والأسود، والأَبْيَض، والسهل، والحزن».
قَالَ الْعُلَمَاء: في هَذَا الْحَدِيث بيان أن النَّاس أصناف، وطبقات، وأنهم متفاوتون في الطباع والأَخْلاق، فمِنْهُمْ الْخَيْر الفاضل، الذي ينتفع بصحبته، وصداقته، ومجاورته، ومشاورته، ومقارنته، ومشاركته، ومصاهرته ولا ينسى ما أسديت إليه من معروف عِنْدَمَا كَانَ مُحْتَاجًا.
وَإِنَّ أَوْلَى الْمَوَالِي أَنْ تُوَالِيهُ ** عِنْدَا السُّرُور الَّذِي وَاسَاكَ فِي الْحَزَنِ

إِنَّ الْكِرامَ إِذَا مَا أَيْسَرُوا ذَكَرُوا ** مَنْ كَانْ يَأْلَفُهُمْ فِي الْمَنْزِلِ الْخَشِنِ

آخر:
نَسِيبُكَ مَنْ نَاسَبْكَ فِي الدِّينُ والتُّقَى ** وَجَارُكَ مَنْ أَحْبَبْتَ فِي اللهِ قُرْبَهُ

آخر:
تَقِيُّ الدِّين يَجْتَنِبُ الْمَخَازِي ** وَيَحْمِيهِ عَنْ الْغَدْر الْوَفَاءُ

آخر:
كُلُّ الأَنَامَ بَنُو أَبٍ لَكِنَّمَا ** بِالدِّينِ تُعَرْفُ قِيَمةٌ الإِنْسَانِ

آخر:
إِذَا أَرَدْتَ شَرِيفَ النَّاسِ كُلِّهِمُ ** فانْظُرُ إلى مُخْلِصِ لله فِي الدِّين

وَمِنْهُمْ الرَّدِيء الناقص العقل الذي يتضرر بقربه، وعشرته، وصداقته وَجَمِيع الاتصالات به ضرر وشر، ونكد، وشبه ما لهَذَا الدلب المسمى الخنيز، وبَعْضهمْ يسميه شباب النار، فهَذَا النبت يمص الماء عن الشجر والزرع ويضيق عَلَيْهِ، ويضر من اتصل به. قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في وصف المنحرفين مشبهًا لَهُمْ به وَهُوَ شبه مطابق:
فَهُمُ لَدَى غَرْسِ الإِلَهِ كَمَثْلِ غَرْ ** س الدَّلبُ بَيْنَ مَغَارِسِ الرُّمانِ

يَمْتَصُّ مَاءَ الزَّرْعِ مَعْ تَضْيِيقِهِ ** أَبَدًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ ذَا قِنْوَان

آخر:
النَّاسُ مِثْلُ ضُرُوفٍ حَشْوُهَا صَبِرٌ ** وَفَوْقَ أَفْوَاهِهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَسَلِ

تَغُرُّ ذَائِقَهَا حَتَّى إِذَا كُشِفَتْ ** لَهُ تَبَيَّنَ مَا تَحْوِيهِ مِنْ دَخَل

ومنها السباخ الخبيثة التي يضيع بذورها، ويبيد زرعها وما بين ذَلِكَ على حسب ما يشاهد منها ويوَجَدَ حسًا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «النَّاس معادن». قال الخطابي على هَذَا الْحَدِيث، وفي هَذَا القول أيضًا بيان أن اختلاف النَّاس غرائز فيهم، كما أن المعادن ودائع مركوزة في الأَرْض فمنها الجوهر النفيس، ومنها الفلز الخسيس.
وكَذَلِكَ جواهر النَّاس، وطباعهم، منها الزكي الرضي، ومنها الناقص الدنيء. وإذا كَانُوا كَذَلِكَ، وكَانَ الأَمْر على العيان مِنْهُمْ مشكلاً واستبراء العيب فيهم متعذّرًا فالحزم إذًا الإمساك عنهم، والتوقف عن مداخلتهم إلى أن تكشف المحنة عن أسرارهم وبواطن أمرهم فيكون عَنْدَ ذَلِكَ إقدام على خبرة أو إحجام عن بصيرة.
وَقَلَّ مَنْ ضَمِنَتْ خَيْرًا طِوّيَتُهُ ** إِلا وَفي وَجْهِهِ للْخَيْرَ عُنْوَان

ولعلك أسعدك الله إذا خبرتهم، وإذا عرفتهم أنكرتهم، إِلا من يخصهم الثُّنْيَاءُ وَقَلِيْلٌ مَا هُمْ، وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ جَالِساً ذَاتَ يَوْمٍ وَقُدَامُه قَوْمٌ يَصْنَعُوْنَ شَيْئًا كَرِهَهُ مِن كَلامٍ وِلَغَطٍ، فقِيْل َ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا تَنْهَاهُمْ؟ فَقَالَ: «لَوْ نَهَيْتُهُمْ عَنْ الْحجَون، لأَوَشَكَ بَعْضُهمْ أَنْ يَأَتِيهُ، وَلَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ».
قَالَ الْخَطَّابِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: قَدْ أَنْبَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الشَّرَّ طِبَاعٌ فِي النَّاسِ، وَأَنَّ الْخِلافَ عَادَةٌ لَهُمْ. قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قِصَةُ آدَمَ وَحَوَاءَ حِيْنَمَا نَهَاهُمَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الأَكِلِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَكَلا مِنْهَا.
فَبَعْضُ النَّاسِ نَهْيُهُ عَنْ الشَيْء كَأْنَّهُ إِغْرَاءٌ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا نَهَيْتُه عَنْ شِدَةِ الإقْبَالِ على الدُّنْيَا والإقْلالِ مِنْ مَحَبَّتِهَا، ازْدَادَ وَفَطِنَ لأَشياءِ قَدْ نَسِيَهَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَإِذَا زَخَرَتَ النَّفْسَ عَنْ شَغَفٍ بِهَا ** فَكَأنَّ زَجْرَ غَويْهَا إِغْرَاؤُهَا

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الشَّرُّ فِي طِبَاعِ النَّاسِ، وَحُبِّ الْخِلافِ لَهُمْ عَادَةٌ، وَالْجَورُ فيهم سُنَّةٌ.
وَلِذَلِكَ تَرَاهُمْ يُؤْذُونَ مَن لا يُؤْذِيهم، وَيَظْلِمُوْنَ مَنْ لا يَظْلِمُهُمْ، وَيُخَالِفُونَ مَنْ يَنْصَحُهُمْ، وَلا يمَنْعُهُمْ مِنَ الظُّلم إِلا خَوفٌ أَوْ رَجَاءَ.
وَقَدِيمًا قِيْلَ:
والظُّلْمُ مِنْ شِيمِ النُّفُوْسِ فَإِنَّ تَجِدْ ** ذَا عِفَّةٍ فَلِعلَّةٍ لا يَظْلِمُ

قِيْلَ لِرَجُلٍ: أَمَا تَسْتَحِي تُؤْذِي جِيرَانَك؟ قَالَ: فَمَنْ أُوْذِيِ؟ أَأُوذِي مَنْ لا أَعْرَفُ؟. نَعُوذُ باللهِ مِنْ هَذِهِ الحالِ هَذَا مَطْبُوعٌ على الشَّرِّ والأَذِيَّةِ.
وَاللهُ أَعْلَمُ. وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
فَصْل:
إِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أَنَّ الإِخَاءَ فِيْمَا مَضَى غَالِبًا بَيْنَ الأَخَوَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمْ يَعْتَمِدُ على الله ثُمَّ عَلَى أَخِيْهِ، وَيَطْمِئِنَ إِلَيْهِ، فِي مَهَامِهِ كُلّ الإطْمِئْنَانِ، كَانَ أَحَدُهُمْ يُؤآخِي أَخَاهُ على الصَّفَاءِ بَيْنَهُمْ وَالْحَنَانِ، كَأنَ الأَخَ نفس أخيه وربما زاد عنه في القيام بشئونه مرات، كان الأخ لا يؤآخي إلا إِذَا أَحَبَّ لأَخِيْهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ.
وكَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بَيْتَ أَخِيْهِ بِحَضْرَتِهِ وَيَأْخُذُ مِنْ خِزَانَتِه مَا يُرِيْدُ، كَانَ أحدُهم إِذَا سَأَلَ أَخَاهُ مَا هُو محتَاجٌ إِلَيْهِ أَنَبَ نَفْسه إِذْ أَهْمَلَهُ حَتَّى أَفْصَحَ هُوَ عَنْ حَاجَاتِه، كَانَ بَعْضُهُمْ يُلاحِظُ بَعْضًا فَإذَا رَأَى فُرْجَةً سَدَّهَا وَوَجْهُ أَخِيْهِ غَيْرُ مَبْذُولٍ.
كَانَتْ الصُّحْبَةُ أَوْلاً صَافِيةً وَكَانَ الْحُبُ للهِ مَا فِيْهِ شَائبةٌ، أَوْ طَمَعٌ مِن الأطماعِ، وَحَيْثُ أَنَّ الصَّاحِب هُو الْعَضُدَ الأَقْوَى، وَالسَّاعِد الأَيْمَن لِلْمَرْءِ فِي حَيَاتِهِ وَمَا يَنْتَابُهُ فِي مُلِمَّاتِِهِ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَخْتَارَ أصحابَهُ وَيَنْتَقِيَ جُلَسَاءَهْ وَيَنْتَخِبَهُمْ مِن ذَوِي السِّيْرَةِ الْمَحْمُوْدَةِ والعقل الرَّاجِحِ، وَالرَّأْيُ السَّدِيدِ، والدَِين الْمَتِين، وَلْيَحْذَرْ مِنْ مؤاخاةِ مَن لا يَصْلَحُ للأخوةِ، ولا يُرَاعِي حقَّ الْوِدَادَ وآدابِ الْمُجَالَسَةِ والْمَحَادَثَةِ.
وَأوْصَى بَعْضُهُمْ ابنَهُ لَمَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ: يَا بُنِيَ إِذَا أَرْدَتَ صِحْبَةَ إنسانٍ فاصْحَبْ مَن إِذَا خَدَمْتَه صَانَكَ، وإن صَحِبْتَهُ زَانَكَ، اصحبْ مَنْ إِذَا مدَدْتَ يَدَكَ للخَيْرِ مَدَّهَا، وإن رَأى منكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وإن رَأَى منكَ سَيِّئَةً سَدَهَا.
اصْحَب مَن إِذَا حَاوَلْتَ أَمْرًا أَعَانَك، وَنَصَرَكَ، وإن تَنَازَعْتُمَا فِي شَيْء آثَرَكَ، فَإِنْ يَسَّرَ اللهُ لََكَ بِصَاحبٍ مِن هَذَا الطِّرَازِ فاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِه. قَالَ الإِمَامُ الشَّافعي رَحِمَهُ اللهُ: لَوْلا القِيَامُ بالأسحار، وَصُحْبَةُ الأخيار، ما اخْتَرْتُ البَقَاءَ فِي هَذِهِ الدَّارِ. وَقَالَ بَعْضُ الأُدَبَاءِ: أَفْضَلُ الذَّخَائِرِ أَخٌ صَاحبُ وفَاءٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءُ:
هُمُومُ رِجَالٍ فِي أُمُورٍ كَثِيرةٍ ** وَهَمٍيْ مٍن الدُّنْيَا صَدٍيقٌ مُسَاعِدُ

نَكُونُ كَرُوحٍ بَيْنَ جِسْمَيْنِ قُسِّمَتْ ** فَجَسْمَهُمَا جِسْمَانِ والرُوحُ َواحِدُ

آخر:
عَلَيْكَ من الإِخْوَانِ كُلَّ ثِقَاتِ ** حَمُولٍ لِعَبْءِ النَّائِبَاتِ مُوَاتِي

فذاكَ بِهِ فاشْدُدْ يَدَيكَ وَلاَ تُرِدْ ** بِهِ بَدَلاً فِي عِيْشَةٍ وَمَمَاتِ

يَحُوْطُكَ فِي غَيْبٍ ويَرْعَاكَ شَاِهداً ** ويَسْتُر مَا أَبْديْتَ مِن عَثَرَاتِ

ومَنْ لِيْ بِهَذا لَيْتَ أَنِّي لَقِيْتُهُ ** فَقَاسَمْتُهُ مَاليْ مِن الحَسَنَاتِ

آخر:
ثِلاثُ خِصَالِ للصَّدِيقِ َجَعلتُهَا ** مُضَارعَةً للصَّوْمِ والصَّلواتِ

مُوَاسَاتُهُ والصَّفحُ عَنْ عَثَراتِهِ ** وتَرْكُ ابْتِذَالِ السِّرِّ فِي الخَلَواتِ

آخر:
ومَنْ لَمْ يُغَمِّضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِِيقْهِ ** وَعَن بَعْضِ ما فِيْه يَمُتْ وهْوَ عَاتِبُ

ومَنْ يَتَتَبَّعْ جَاهِداً كُلّ عَثْرةٍ ** يَجِدْهَا وَلاَ يَسْلَمْ لَهُ الدَهْرَ صَاحِبُ

آخر:
هم النَّاس فِي الدُّنْيَا فلابد مِن قَذَى ** يُلمُّ بِعَيْشٍ أَوْ يُكَدِّر مَشْرَبَا

ومِن قِلّةِ الإنِصَافِ أَنَّكَ تَبْتَغِيْ ** الْمُهذَابَ فِي الدُّنْيَا ولَسْتَ المُهَدَّبَا

آخر:
وَكَمْ مِنْ أَخٍ لَمْ تَحْتمِلْ مِنْهُ خَلَّةً ** قَطَعْتَ وَلَمْ يُمَكنْكَ مِنُه بَدِيلُ

وَمَنْ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ خَلِيلاً مُهَذَّبًا ** فَلَيْسَ لَهُ فِي العَالِمِيْن خَلِيْلُ

آخر:
إِلْبَسْ عَلَى النَّقْصِ مَنْ تُصَاحِبُه ** يَدُمْ لَكَ الْوُدُ عِنْدَهُ أَبَدَا

وَقَارِبْ النَّاسَ عَلَى عُقُولِهِمْ ** أَوْ لا فَعِشْ فِي الأَنَامِ مُنْفَرِدَا

آخر:
مَا صَاحِبُ الْمَرْءِ مَنْ إِنْ زَلَّ عَاقَبَهُ ** بَلْ صَاحِب الْمَرْءِ مَنْ يَعْفُوا إِذَا قَدِرَا

فَإِنْ أَرَدْتَ وِصَالاً لا يكدِّرُهُ ** هَجْرٌ فَكُنْ صَافِيًا لِلْخِلِ إِنْ كَدِرَا

آخر:
إِذَا مَا كُنْتَ مُعْتَقِدًا صَدِيقًا ** فجربْهُ بِأَحْوَالٍ ثَلاِث

مُشَارَكَة إِذَا مَا عَنَّ خَطْبٌ ** وَإِسْعَافٌ بِعَيْنٍ أَوْ أَثَاثِ

وَسِرُّكَ فَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ وَانْظُرْ ** أَيَكْتُمُ أَمْ يُذِيعُ بِلا اكْتِرَاثِ

فَإِنْ صَادَفْتَ مَا تَرْضَى وَإِلا ** فَإِنَّ الْمَرْءَ ذَا عُقَدِ رِثَاثِ

آخر:
بِمَنْ يَثِقُ الإِنْسَانُ فِيمَا يَنُوبُهُ ** وَمِنْ أَيْنَ لِلْحُرّ الْكَرِيمِ صِحَابُ

وَقَدْ صَارَ هَذَا النَّاسُ إِلا أَقَلَهُمْ ** ذِئَابًا عَلَى أَجْسَادِهِنَّ ثِيَابُ

تَغَابَيْتُ عَنْ قَوْم فَظَنُّوا غَبَاوَةً ** بِمَفْرق أَغْبَانَا حَصَى وَتُرَابُ

إِلَى اللهِ أَشْكُو أَنَّنَا بِمَنَازِلٍ ** تَحَكَّمُ فِي أسَادِهِنَّ كِلابُ

آخر:
لا تَغْتَر ربِبَنِي الزَّمَانِ وَلا تَقُلْ ** عِنْدَ الشَّدَائِدِ لِي أَخٌ وَحَمِيمُ

جَرَّبْتُهُمْ فَإِذَا الْمَعَاقِرُ عَاقِرٌ ** وَالآلُ آلُ وَالْحَمِيمُ حَمِيمُ

آخر:
وَرُبَّ أَخٍ لَمْ يُدْنِهِ مِنْكَ وَالِدٌ ** أَبَرُّ مِن ابْنِ الأُمِّ عِنْدَ النَّوَائِبِ

وَرُبَّ بَعِيدٍ حَاضِرٌ لَكَ نَفْعُهُ ** وَرُبَّ قَرِيبٍ شَاهِدٌ مِثْلَ غَائِب

ورُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «عليكم بإِخْوَان الصدق فَإِنَّهُمْ زينة فِي الرخاء وعصمة فِي البَلاء». فإذا عزم الإِنْسَان على اصطفاء الإِخْوَان سبر أحوالهم قبل إخائهم وكشف عَنْ أخلاقهم قبل اصطفائهم. قَالَ بَعْضُهُمْ:
كَمْ مِنْ أَخٍ لَكَ لَسْتَ تُنْكِرُهُ ** مَا دُمْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فِي يُسْرِ

مُتَصَنِّعٌ لَكَ فِي مَوَدَّتِهِ ** يَلْقَاكَ بِالتَّرْحِيبِ وَالْبِشْرِ

يُطْرِي الْوَفَاءَ وَذَا الْوَفَاء ** وَيَلْحِي الْغَدْرَ مُجْتَهِدًا وَذَا الْعَذْرِ

فَارْفُضْ بِإِجْمَالِ مَوَدَّةِ مَنْ ** يَقْلِي الْمُقِلَّ وَيَعْشَقُ الْمُثْرِي

وَعَلَيْكَ مَنْ حَالاه وَاحِدَةٌ ** فِي الْعُسْرِ مَا كُنْتَ وَبِالْيُسْرِ

آخر:
أَبْلِ الرِّجَالَ إِذَا أَرَدَتَ إِخَاءِهُمْ ** وَتَوَسَّمَنَّ أُمُورهُمْ وَتَفَقَّدْ

فَإِذَا ظَفِرْتَ بِذِي الأَمَانَةِ وَالتُّقَى ** فَبِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَأشْدُد

آخر:
غَايضْ صَدِيقَكَ تَكْشِفْ عَنْ ضَمَائِرِهِ ** وَتَهْتَكِ السِّتْر عَنْ مَحْجُوبِ أَسْرَارِ

فَالْعُودُ يُنْبِيكَ عَنْ مَكْنُونِ بَاطِنِهِ ** دُخَّانهُ حِينَ تُلْقِيهِ عَلَى النَّار

ولا تبعثه الوحدة على الإقدام قبل الخبرة، ولا حُسْن الظَّنِ على الاغترار بالتصنع.
فإن التملق الَّذِي هُوَ القول الحسن مَعَ خبث الْقَلْب، مصائد العقول، والنفاق تدلَيْسَ الفطن، والملق والنفاق سجيتا المتصنع، ولَيْسَ فيمن يكون النفاق والملق سجاياه خَيْر يرجى، ولا صلاح يؤمل بل الشَّر والأَذَى فيه، فليكن اللبيب فطنًا حاذقًا، صَاحِب فراسة لا يُحْسِنُ الظَّنَّ بكل أحد.
فَلا تُلْزِمَنَّ النَّاسَ غَيْرَ طِبَاعِهِمْ ** فَتَتْعَبَ مِنْ طُول الْعِتَاب وَيَتْعَبُوا

فَتَارِكْهُمُ مَا تَارَكُوكَ فَإِنَّهُمْ ** إلى الشَّرِ مُذْ كَانُوا عَنْ الْخَيْرِ أَقْرَبُ

وَلا تَغْتَررُ مِنْهُمْ بِحُسْنِ بَشَاشَة ** فَأَكْثَرُ إِيمَاضِ الْبَوَارق خُلَّبُ

آخر:
وَصَاحِبٌ لِي كَدَّاءِ الْبَطْنِ صُحْبَتُهُ ** يَوَدَّنِي كَوِدَادِ الذِّئْبِ لِلرَّاعِي

يُثْنِي عَليَّ جَزَاهُ اللهُ صَالِحَةً ** ثَنَاءَ هِنْدٍ عَلَى رَوْحِ بنِ زِنْبَاعِ

آخر:
إِنِّي لأَعْرِفُ فِي الرِّجَالِ مُخَادِعًا ** يُبْدِي الصَّفَاءَ وَوِدُّهُ مَمْذُوقُ

مِثْلُ الْغَدِيرِ يُرِيك قُرْبَ قَرَارِهِ ** لِصَفَائِهِ وَالْقَعْرُ مِنْهُ عَمِيقُ

آخر:
رَعَى اللهُ إِخْوَانَ التَّمَلُّقِ إِنَّهُمْ ** رَعَى اللهُ إِخْوَانَ التَّمَلُّقِ إِنَّهُمْ

فَلَوْ وَفوا كَنَّا أُسَارَى حُقُوقِهِمْ ** تَرَاوحُ مَا بَيْنَ النَّسِيئَةِ وَالنَّقْد

وقَالَ الحكماء: اعرف الرجل من فعله، لا من كلامه، وأعرف محبته من عينيه، لا من لِسَانه، وعَلَيْكَ بمن حالاه فِي العسر، واليسر واحدة أي يحبك كُلّ حين، سواء كنت غنيًا أَوْ فقيرًا أما إِخْوَان الرخاء فاتركهم. قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَلا خَيْرَ فِي وَدِّ امْرِئٍ مُتَلَوّنٍ ** إِذَا الرِّيحُ مَالَتْ مَالَ حَيْثُ تَمِيلُ

جَوَّادٌ إِذَا اسْتَغْنَيْتَ عَنْ أَخْذِ مَالِهِ ** وَعِنْدَ احْتِمَالِ الْفَقْرِ عَنْكَ بِخَيْلُ

فَمَا أَكْثَرُ الإِخْوَانِ حِينَ تَعَدُّهُمْ ** وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَاتِ قَلِيلُ

على أن الإِنْسَان موسوم بسمَاتَ من قارب، ومنسوب إليه أفاعيل من صَاحِب، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «المرء مَعَ من أحب». وقَالُوا: ما من شَيْء أدل على شَيْء من الصَاحِب على صاحبه وقديمًا قِيْل:
عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمَقَارِنِ يَقْتَدِي

آخر:
إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ ** وَلا تَصْحَب الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدَى

آخر:
إِذَا بَخِلَ الصَّدِيقُ عَلَيْكَ يَوْمًا ** بِشَيْءٍ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ

فَمَثّلْ قَبْرَهُ فِي الأَرْضَ شَخْصًا ** وَقُلْ قَدْ مَاتَ لا أَسَفًا عَلَيْهِ

آخر:
النَّاس شِبْهُ ظُرُوف حَشْوِهَا صَبِرٌ ** وَفَوْقَ أَفْوَاهِهَا شَيْءٌ مِن الْعَسَلِ

تحلوا لذائقها حَتَّى إِذَا انكشفت ** له تبين ما تحويه من دخل

آخر:
وَأَكْثَرْ مَنْ شَاوَرْتَهُ غَيْرُ حَازِمٍ ** وَأَكْثَرُ مَنْ صَاحَبْتَ غَيْرُ مُوَافِقِ

إِذَا أَنْتَ فَتَشْتَ الرِّجَالِ وَجَدتَّهُمْ ** قُلُوبَ الأَعَادِي فِي جُلُودِ الأَصَادِقِ

آخر:
وَأَعْظم آفَاتِ الرِّجَالِ نِفَاقُهَا ** وَأَهْوَنُ مَنْ عَادَيْتَهُ مَن يُدَاهِنُ

آخر:
وَإِنْ قَرَّبَ السُّلْطَانُ أَخْيَارَ قَوْمِهِ ** وَاعْرَضَ عَنْ أَشْرَارِهِمْ فَهُوَ صَالِحُ

وَإِنْ قَرَّبَ السُّلْطَانُ أَشْرَارَ قَوْمِهِ ** وَاعْرِضَ عَنْ أَخْيَارِهِمْ فَهُوَ طَالِحُ

وَكُلُّ امْرِئٍ يُنْبِيكَ عَنْهُ قَرِينُهُ ** وَذَلِكَ أَمْرٌ فِي الْبَرِيَّةِ وَاضِحُ

آخر:
وَإِذَا أَرَدْت تَرَى فَضِيلَة صَاحِبٍ ** فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْبَحْثِ مَنْ نُدَمَاؤُهُ

فَالْمَرْء مَطْوِيٌ عَلَى عَلاتِهِ ** طَيَّ الْكِتَابِ وَصَحْبُهُ عُنْوَانُهُ

آخر:
تَحَرَّ إِذَا صَادَفْتَ مِنْ وِدُّهُ مَحْضُ ** يُصَانُ لَدَيْهِ الدِّينُ وَالْمَالُ وَالْعِرْضُ

فَكُلُّ خَلِيلٍ مُنْبِئٌ عَنْ خَلِيلِهِ ** كَمَا عَنْ شُؤونِ الْقَلْبِ قَدْ أَنْبَأَ النَّبْضُ

وَبِالصِّدْقِ عَامِلْ مَنْ تُحِبُّ مِن الْوَرَى ** وَإِلا فَذَاكَ الْحُبُّ آخِرُهُ الْبُغْضُ

آخر:
تَجَنَّبْ صَدِيقًا مِثْلَ مَا وَاحْذَرْ الَّذِي ** يَكُونُ كَعَمَرْوٍ بَيْنَ عُرْبٍ وَأَعْجَمِي

فَإِنَّ قَرِينَ السُّوءِ يُرْدي وَشَاهِدِي ** كَمَا شرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ الدَّمِ

آخر:
عَلَيْكَ بِأَرْبَابِ الصُّدُورِ فَمَنْ غَدَا ** مُضَافًا لأَرْبَابِ الصُّدُورِ تَصَدَّرَا

وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى بِصُحْبَة نَاقِصٍ ** فَتَنْحَطَّ قَدْرًا مِن عُلاكَ وَتُحْقَرا

فَرَفْعُ أَبُو مَنْ ثُمَّ خَفْضُ مُزَمَّلٍ ** يُبَيِّنُ قَوْلِي مُغْرِيًا وَمُحَذِّرَا

والإشارة فِي قوله: ثُمَّ خفض مزمل إِلَى قول امرئ القيس:
كَأَنَ أَبَانًا فِي عَرَانِينِ وَبْلِهِ ** كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّل

وَذَلِكَ أن مزملاً صفةُ لكبير، فكَانَ حقه الرفع ولكن خفض لمجاروته المحفوض.
كَانَ جندب بن عَبْد اللهِ الأنصاري صديقًا لعبد الله بن عباس فقَالَ لَهُ حين ودعه: أوصني يَا ابن عباس فإني لا أدري أنجتمع بعدها أم لا.
فقَالَ: أوصيك يَا جندب ونفسي بِتَوْحِيدِ اللهِ وإخلاص الْعَمَل لله وإقام الصَّلاة وَإِيتَاء الزَّكَاة فَإِنَّ كُلّ خَيْر أتيت بعد هَذِهِ الخصال مقبول وإِلَى اللهِ مرفوع ومن لم يكمل هَذِهِ الأَعْمَال رد عَلَيْهِ ما سواها.
وكن فِي الدُّنْيَا كالغريب المسافر واذكر الموت والْتَهُن الدُّنْيَا عَلَيْكَ فكأنك قَدْ فارقتها وصرت إِلَى غيرها واحتجت إِلَى ما قدمت ولم تنتفع بشَيْء مِمَّا خلفْتَ ثُمَّ افترقا.
كتب عمر إِلَى ابنه عَبْد اللهِ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّ من اتقاه كفاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده، فاجعل التَّقْوَى عماد بصرك ونور قلبك.
وأعلم أنه لا عمل لمن لا نية لَهُ، ولا جديد لمن لا خلق لَهُ، ولا إيمان لمن لا أمانة لَهُ، ولا مال لمن لا رفق لَهُ، ولا أجر لمن لا حسُنَّة لَهُ.
اللَّهُمَّ اجعل فِي قلوبنا نورًا فَنَهْتَدِي بِهِ إليك وتولنا بحسن رعايتك حَتَّى نتوكل عَلَيْكَ وارزقنا حلاوة التذلل بين يديك. فالعزيز من لاذ بعزك والسَّعِيد من التجأ إِلَى حماك وجودك، والذليل من لم تؤيده بعنايتك، والشقي من رضي بالإعراض عَنْ طَاعَتكَ. اللَّهُمَّ نزه قلوبنا عَنْ التعلق بمن دونك وَاجْعَلْنَا مِنْ قوم تحبهم ويحبونك، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.